التجاهل الذكي هو أحد أساليب التعامل الذكي مع الآخرين في المواقف غير الجيدة أو غير المرغوب فيها، ويُعْرَفْ التجاهل بأنه سلوك معين يُصْدِرَهُ إنسان بهدف اللامبالاة وحجب تامّ للاهتمام تجاه إنسان آخر، ويحتاج هذا السلوك لشخصية قوية ذات درجة عالية من الذكاء والصبر لاختيار التوقيت المناسب “لمتى، وكيف، ومع من يمكن استخدام أسلوب التجاهل؟” لأنه قد يكون مُفيد ونافع أو مُضر ومُؤذي للإنسان نفسه الذي يستخدمه، أي أنه سلاح ذُو حَدَّيْن، لذلك لابد من التفريق بين التجاهل المُراد به تعزيز العلاقة والحب مع الآخرين والتجاهل المُراد به الترفع عن الرَدّ على المُزعجين.

أنواع التجاهل :- ينقسم التجاهل إلى نوعين مختلفين هما:

أولا: التجاهل الإيجابي: – ومعنى إيجابي أي أن يكون مُفيد ونافع لمن يُمارسه لمساهمته في إبعاد الإنسان عن كل مُسببات الأذى والمضايقة والتأثير على الحالة النفسية والمعنوية له مثل الآراء المحبطة والحوارات الساخنة والجدال غير المُفيد وتوفير الوقت والجهد للاستمتاع بالراحة والسعادة بعيداً عن الأشخاص السلبيين وآرائهم ومشاكلهم التي لا نهاية لها.

ثانيا: التجاهل السلبي: – أما كلمة سلبي فتعني أن التجاهل يكون لمجرد التجاهل مثل تجاهل نصائح الوالدين أو الاخوان أو المقربين والحريصين على مصلحة الإنسان أو الأصدقاء الحقيقين، لأنه تجاهل مُؤذي للطرفين لِمَنْ يُمارسِه أو لمن يُمَارَسْ عليه هذا التجاهل، ونحن هنا لا نقصد بذلك تجاهل إنسان يقصد الإيذاء بطريقة مُباشرة أو غير مُباشرة لأن هذا التجاهل يُعتبر مَضَرَّة وإيذاء للنفس.

ماهي الحكمة من التجاهل؟:

* التجاهل أمر صحي للإنسان لأن تجاهل بعض العلاقات الشخصية التي تُسبب التوتر والمعاناة يُفيد صِحَّة الإنسان.

* تحسين مستوى الحياة والتفرغ للنفس، وذلك بترك الإنسان ما لا يعنيه والانشغال بتطوير النفس والاهتمام بها.

* التجاهل عند الغضب ذكاء وعند المصاعب إصرار وعند الإساءة تَعَقُّلْ، وهو نصف السعادة ويعتبر صفة إيجابية.

* التجاهل أسلوب من أساليب تعديل السلوكيات غير المقبولة والمزعجة وإنهائها أو التقليل منها عند الآخرين.

أساليب فن التجاهل الذكي: –

* قبل الدخول في نقاش لابد من تجاهل أصحاب الغيبة والنميمة ونشر الكراهية والأفكار السلبية والذين لا يحترمون غيرهم وأصحاب النقد الهدَّام والمُتعصِّبين لرأيهم والعِدائيين والحَاقدين سياسياً ودينياً وعرقياً.

* المعرفة التامة للأسباب الحقيقة للرغبة في التجاهل لمساعدة ذلك على التجاهل الإيجابي وفي وقت مناسب ومع من.

* تجاهل مجرد التفكير في نقد الآخرين لشعور الإنسان بالنقص والسوء تجاه نفسه والانتقاص من إنسانيته وكرامته.

* التحكم في نوبات الغضب بسبب آراء الآخرين وتجاهلها تماماً للسيطرة على النفس والتصرف بحكمة وعقل.

* تجاهل كل من يحاول السخرية من أحلام وطموحات غيرهم أو محاولة التنازل عن قِيَمَهُمْ ومبادئهم أو كياناتهم.

* تجاهل محاولة إثبات النفس للآخرين أو موافقتهم على الخطط والأهداف المرغوبة أو إرضائهم على حساب النفس.

* محاولة تجاهل المناقشات السياسية والدينية والعرقية مع المتعصبين أو مدعي المعرفة وأصحاب الثقافة العمياء.

* عدم محاولة إصلاح الآخرين أو تغييرهم وتجاهل تعليقاتهم الجارحة واعتقاداتهم عن غيرهم من البشر الملتزمين.

* عدم التفكير أو التخطيط للانتقام من الأشخاص الذين يسيئون للآخرين لأنها معركة خاسرة ولا تحمد عقباها.

* تجاهل كل ما يساهم في إضاعة الوقت أو الجهد أو المال فيما لا يفيد أو لا يضيف للحياة قيمة أو معنى أو متعة.

* تجاهل الفشل والأخطاء السابقة واعتبارها دروس نتعلم منها وخطوات تقود الإنسان للنجاح والتميز والإبداع.

* إظهار إمكانيات الثقة بالنفس للآخرين لعدم محاولتهم الإزعاج لشخصية يعلمون أنها يصعب التأثير عليها.

* القراءة والتعلم والاهتمام بالثقافة وبناء الشخصية وتطوير المهارات والقدرات لممارسة فن التجاهل الذكي.

وأخيرا وليس آخرا رسالتي لكل إنسان هي استخدام أسلوب التجاهل الذكي في الوقت المناسب والبعد عن الجدال غير المجدي وما يترتب عليه من مضايقات وتوتر، والاهتمام بالنفس وإسعادها وتطويرها هو أهم وأفضل من ضياع الوقت والجهد مع الذين لا فائدة تُرْجَى منهم، وأنَّ ترك مسافة مع بعض العلاقات الإنسانية غير الجيدة هي وقاية واحتراز من الصدامات المؤلمة والتي قد تُسبب للإنسان أذى نفسي ومعنوي وجسدي مثل ما يفعل العقلاء من قائدي المركبات أثناء السير تفادياً لوقوع صدامات وحوادث لا تحمد عقباها وقد يندم الإنسان عليها بعد وقوعها.

يقول الإمام الشافعي عن التجاهل:

وَجَدْتُ سُكُوتِي مَتجَراً فَلَزِمْتُهُ … إِذا لَمْ أجِدُ رِبْحَاً فَلَسْتُ بِخَاسِرِ .

وَمَا الصَمْتُ إِلاَّ في الرِجَالِ مُتَاجِرٌ … وَتاجِــرُهُ يَعْلـُو عَلى كُلِّ تَاجِــرِ .